بعد سلسلة مقالات الترامادول حدثنى الكثير من الصيادلة، البعض يعاتب والبعض يشكو والبعض يؤمن على كلامى، ومعظمهم يؤكدون أن مهنة الصيدلة فى خطر، وهكذا فتحت مقالات الترامادول جرحاً آخر كان قد أغلق على قيح وصديد، مثل جروحنا الأخرى التى لا نعالجها جذرياً ونترك أم القيح كنواة لجرح وخراج أكثر شراسة.

ما قاله الصيادلة عن بيع الأدوية المخدرة عموماً والترامادول خصوصاً يلقى باللوم على جهات كثيرة، من بينها بعض الصيادلة أنفسهم، فمهنة الصيدلة مثل أى مهنة فيها الصالح والطالح، ولكن سوق الصيدلة تشبعت واحتقنت وصار التنافس تناحراً، مما خلق أوراماً خبيثة فى جسد المهنة العظيمة التى مهمتها الأساسية صناعة الأمل فى الشفاء.

ملخص ما سمعته وعرفته أن اللوم لا يقع على الصيادلة فقط فى مسألة الترامادول، فالمفاجأة التى يجب أن يعيها ويسمعها الجميع. وهذا من الواقع، الترامادول صار يباع لدى البقالين والبازارات وماسحى الأحذية ومكاتب الموظفين!! الترامادول الصينى ليس ترامادولاً فقط ولكنه مخلوط بما لذ وطاب من المخدرات!! الصيدلة مهنة مصابة بداء الفوضى وحمى الانفلات، فى بعض الدول الأوروبية يحدد الصيدلى بعدد السكان، ولكن هنا فى مصر ما بين الصيدلى وجاره الصيدلى خمسة أعمدة إنارة! مما ينذر بانفجار وزلزال وبركان يأكل الأخضر واليابس، صار فى مصر كلية صيدلة خاصة لكل مواطن! كليات الصيدلة الخاصة تدفع إلى سوق العمل المصرية المشبعة أصلاً بآلاف العاطلين كل سنة، الأب الذى دفع مائة ألف نظير تعليم ابنه يريد استردادها فى لمح البصر، تبدأ عورات الضمير فى الظهور لتضرب المهنة فى مقتل.

بيع اسم الصيدلى لكل من هب ودب، صار تجارة مربحة تدر الملايين ولكنها تجارة الموت، مساعد فى صيدلية بدبلوم، يفهم الصيدلة على أنها مجرد فهلوة وحفظ أسماء أدوية وأسعارها، ويعتقد أن الصيدلى مجرد بقال مثقف، صاحب الدبلوم توفرت له بعض الفلوس فجأة فقرر أن يشترى اسم الصيدلى المتخرج حديثاً ويمنحه ألف جنيه شهرياً ويصير هو الصيدلى الحقيقى! بالطبع البنات الصيدليات المتخرجات حديثاً لهن نصيب الأسد فى هذا البيع الوهمى والتجارة الرابحة، ولتذهب مهنة الصيدلة إلى الجحيم، وليذهب سهر الليالى خمس سنوات فى كلية الصيدلة إلى جهنم طالما امتلك السباك أموالاً ليفتح بها صيدلية من الباطن.

الصيدلى المتخرج حديثاً فى المستشفى الحكومى راتبه لا يكفى خمسة كيلوجرامات من اللحم، الصيادلة فى السعودية ودول الخليج عقودهم متدنية وبدلاتهم وإجازاتهم وحالة سكنهم مذلة ومجحفة.

الصيدلة صارت مهنة بها سم قاتل تكفى أعراضه الجانبية لقتل وطن بأكمله.